منتديات النجفي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخولالتسجيل

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...

تم الانتقال للمنتدى الجديد على الرابط التالي :

http://www.alnajafi.net
للتسجيل أضغط هنا


 

 مصطفى جمال الدين-شاعر نجفي كبير

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أكرم النجفي
المديـــــــر العــــــــام
المديـــــــر  العــــــــام
أكرم النجفي


ذكر
عدد المساهمات : 4492
نقاط : 24627
السٌّمعَة : 31
تاريخ التسجيل : 26/07/2008

مصطفى جمال الدين-شاعر نجفي كبير Empty
مُساهمةموضوع: مصطفى جمال الدين-شاعر نجفي كبير   مصطفى جمال الدين-شاعر نجفي كبير Empty12/7/2009, 3:02 am

من أعلام الشعر النجفي:
الشاعر المبدع مصطفى جمال الدين





تميز العالم العربي والإسلامي بوجود حواضر علمية وأدبية كبرى زيّنت تاريخه القديم والحديث، منها ما انقطع واندثر ومنها ما بقي مستمراً في أداء دوره الحضاري. ومن تلك الحواضر العلمية التي واصلت عطاءها العلمي والمعرفي لأكثر من ألف عام مدينة النجف الأشرف في العراق. تلك الجامعة الإسلامية العريقة التي ضمت عدداً كبيراً من العلماء والشعراء والأدباء قلّ أن يجتمعوا في مدينة واحدة. ولعلّ النظرة السريعة لكتاب "شعراء الغري" بمجلداته الاثني عشر للمرحوم علي الخاقاني الّذي ترجم فيه لشعراء النجف وتوقف عند حقبة معينة من القرن العشرين تثبت صحة ماتقول.

لقد شكل هذا الزخم الشعري والأدبي بوجه خاص معالم مدرسة شعرية لها ملامحها الخاصة وخصائصها المتميزة التي جمعت بين الأصالة التراثية والانفتاح على التجارب الشعرية الجديدة عربية كانت أم أجنبية. فقد هيأ الموقع الجغرافي المتميز للنجف والموجود على الخط الفاصل بين الحضر والبادية أن الكبير والّذي عرفته الحيرة عاصمة دولة المناذرة قبل الإسلام والتي زارها جل شعراء العرب في الجاهلية كالنابغة الذبياني وطرفة بن العبد وعلقمة الفحل والمرقش الأكبر وعمرو بن كلثوم وعبيد بن الأبرص وغيرهم(1)، كما ورثت عن الحواضر الإسلامية مدرسة الكوفة اللغوية والبلاغية التي وضع أسسها أمير البلاغة والفصاحة علي بن أبي طالب(عليه السلام)، ومدرسة بغداد الشعرية إبان ازدهارها، دون أن تغفل المراكز الأدبية الأخرى في مصر والشام والأندلس وأنحاء مختلفة من العالم الإسلامي. والّذي يقرأ موشحات الشعراء النجفيين في القرن الماضي، كتلك التي

____________

1- انظر: د. عبد الصاحب الموسوي، الشعر النجفي وأطواره خلال القرن الرابع عشر الهجري، ص: 33، دار الزهراء ـ بيروت 1988م.



الصفحة 2





كتبها السيّد محمّد سعيد الحبوبي (1849 ـ 1915م) على سبيل المثال، يدرك عمق اطلاعهم على مواطن الابداع والتجديد في الشعر الأندلسي(1).



أما في العصور الحديثة فلم تكن النجف غائبة عن الساحة الأدبية وتطوراتها في العالم الخارجي، وقد شكل موقعها العلمي والفكري المتميز الإطار المناسب لذلك الاتصال. فقد كان يتوافد إلى النجف الآلاف من طلبة العلم الّذين يأتون لغرض الدراسة والتحصيل ليرجعوا إلى بلدانهم الأصلية وعاظاً أو مبلغين أو علماء مجتهدين، وربما استوطن بعضهم أرض الغري رغم قسوة جوها الصحراوي، لعدم قدرتهم على مفارقة الأجواء العلمية التي ألفوها وأحبوها أو رغبة في مجاورة الضريح المقدس للإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام)، هؤلاء الطلاّب يأتون من بقاع شتى وقوميات متباينة، ففيهم ـ فضلاً عن العراقيين ـ العرب من لبنان والشام والأحساء والقطيف والحجاز والبحرين وعُمان والأهواز، وفيهم من غير العرب كالفرس والكرد والترك والهنود والباكستانيين والأفغان وغيرهم. يأتي هؤلاء وهم يحملون ثقافات جديدة لم يعهدها النجفيون من قبل مما يهىء فرصة ثمينة للاحتكاك الثقافي والاتصال الحضاري التي تترك أثرها الإيجابي المتمثل في توسيع الدائرة المعرفية وعدم الانغلاق على الذات، والاستفادة مما عند الآخرين من معطيات إيجابية.

وفضلاً عن ذلك فقد برزت النجف منذ القرن الثامن عشر كمركز مؤثر في الأحداث السياسية والدينية والاجتماعية التي مرّ بها العراق وإيران وتركيا وغيرها من البلدان العربية والإسلامية وبخاصة إبان قيادتها للحركة الدستورية التي سميت بالمشروطة، ودورها القيادي في الجهاد ضد الإنگليز عند احتلالهم العراق في بداية الحرب العالمية الأولى ثم في ثورة النجف وثورة العشرين وغير ذلك من الأحداث الحاسمة التي مرت بالمنطقة، الأمر الّذي عمق انفتاح النجف على العالم الخارجي لا من النواحي السياسية فحسب بل من النواحي الأدبية الثقافية بوجه عام، فأنشئت فيها المطابع وصدرت الصحف والمجلات وازدهرت حركة النشر.



____________

1- انظر: ديوان السيّد سعيد الحبوبي، ج1/الموشحات، ص: 145 ـ 247، تحقيق: عبد الغفار الحبوبي، بغداد1983م.



الصفحة 3





على سبيل المثال كانت مجلة "العلم" التي أصدرها العالم المصلح السيّد هبة الدين الشهرستاني في النجف عام 1910م أي في العهد العثماني مركز اشعاع وتنوير فكري وسياسي غذته الروح النقدية والآراء الجريئة لمؤسسها في مجالات الحياة المختلفة، لذلك تعلق بها شباب الحوزة العلمية ووجدوا فيها مدرسة للعمل والجهاد ونبذ الخمول والتواكل، خاصة وانّ السيّد هبة الدين بماله من علاقات واسعة مع العلماء والمصلحين في أنحاء العالم الإسلامي المختلفة، ومجلته بمراكز مختلفة للثقافة الشرقية والغربية، فصارت المجلات والصحف ترد عليها من الأنحاء كافة، وأسس لها مكتبة عامة يرتادها العلماء والأدباء، خصوصاً الشبان منهم، ممّا ساعد على ربط جامعة النجف بالعالمين الشرقي والغربي، وزيادة انفتاحها على العالم الخارجي(1)، وقد ضمت هذه المجلة نتاج المفكرين من جيل النهضة كالشيخ محمّد رضا الشبيبي والشيخ علي الشرقي وغيرهما. ثم توالى اصدار الصحف والمجلات فيما بعد كجريدة "الفرات" التي اصدرها الشيخ باقر الشبيبي وكانت لسان الثوار أيام الاحتلال البريطاني، و"مجلة النجف" التي أصدرها في العشرينات الكاتب والصحفي يوسف رجيب، و"الفجر الصادق" و"الراعي" و"الهاتف" التي أصدرها جميعاً الكاتب والقاص المعروف جعفر الخليلي، واستمرت الهاتف وحدها في الصدور مدة عشرين عاماً وقد ساهم في الكتابة فيها أدباء وكتاب من مختلف الدول العربية. وممّا يجدر ذكره هنا انّ ديوان "الجداول" للشاعر المهجري إيليا أبو ماضي قد طبع في النجف في الثلاثينيات وفيه قصيدة "الطلاسم" المشهورة بما تحمله من تشكيك، واعتبر ذلك تحدياً للتقاليد الدينية المحافظة لمدينة النجف، وكانت حصيلة هذا التحدي صدور ردّين شعريين على تشكيك أبي ماضي، كان الأول أقرب إلى الفلسفة وهو رد الشيخ محمّد جواد الجزائري، والثاني أقرب إلى الشعر وهو رد الشيخ عبد الحميد السماوي(2).





____________

1- علي الخاقاني: مقدمة كتاب "نهضة الحسين" للسيّد هبة الدين الشهرساني، ص: 9. وآغابزرك الطهراني: طبقات أعلام الشيعة، ص: 1414 ـ 1415.

2- مقدمة ديوان السيّد جمال الدين بقلمه، ص: 21 ـ 24، دار المؤرخ العربي، بيروت 1995م.



الصفحة 4





وفي المقابل كانت الصحف والمجلات العربية المعروفة ترد إلى النجف بانتظام كالعرفإن والبرق من لبنان، وألف باء ومجلة المجمع من دمشق، والمقتطف، والمقطم والهلال، ثم الرسالة، والثقافة، والكاتب المصري من مصر.



نخلص من كل ذلك إلى انّ المدرسة الشعرية في النجف رغم استنادها إلى أساس تراثي متين فانّ هذا لم يمنعها من مواكبة التجارب الأدبية والفنية الجديدة والاستفادة منها في تطوير المخزون التراثي مع تجنب التقليد الأعمى الّذي وقعت فيه العديد من المدارس الأدبية الأخرى.

في هذه البيئة العلمية والأدبية المعطاءة نشأ الشاعر مصطفى جمال الدين واستوى عوده، وتفتحت موهبته، ورغم انّه ولد في قرية "المؤمنين" بسوق الشيوخ في العراق عام 1927م، فانّ النجف كانت منبته الحقيقي كما صرح بذلك في مقدمته الموسعة لديوانه، والتي أرخ فيها لسيرة حياته، كان والده واحداً من رجال الدين الّذين يستوطنون النجف الأشرف للتزود بعلومها الدينية، فجاء به من القرية وهو طفل في الصف الرابع الابتدائي، والتحق بـ "الجامع الهندي" في النجف، طفلاً صغيراً يستظهر متن "الأجروميّة"، ويطوي تحت عباءته الصغيرة "قطر الندى" لابن هشام، وهو يتطلغ بلهف لأن يحفظ رجز "الألفية" لمحمد ابن مالك(1).

وبعد أن أكمل مرحلة المقدمات في الحوزة العلمية، واصل دراسة السطوح ثم البحث الخارج. تأثر بالمنهج التجديدي والاصلاحي الذي اتبعه الشيخ محمّد رضا المظفر مؤسس جمعية منتدى النشر، وحينما افتتحت كلية الفقه في النجف عام 1958م كان من أوائل المنتسبين إليها وتخرج فيها عام 1962م. ثم واصل دراسته العليا في جامعة بغداد، فحاز على الماجستير في ا لشريعة الإسلامية عام 1972م، ثم الدكتوراه في اللغة العربية عام 1979م، وعنوان اطروحته "البحث النحوي عند الاصوليين"، وقد زاول التدريس في كل من كلية الفقه، وكلية الآداب، وكلية اصول الدين لمدة تزيد على عشرين عاماً، ثم هاجر من العراق إلى دمشق عام 1980م لأسباب سياسية، وأقام في سوريا حتى وفاته عام 1996م.



____________

1- المصدر السابق، ص: 11.



الصفحة 5





وقد بقي الشاعر جمال الدين يحن إلى المدينة التي احتضنته وغذته بالزاد العلمي والمعرفي الكبير، فخصّ النجف باشارات كثيرة ومقاطع كاملة من قصائده من ذلك ما قاله في قصيدته "من أمس الأمة إلى غدها":




يارملة النجف الشريف تذكري
ظمأ العيون ففي يديك الموردُ

حنّت، فكان لها بذكركِ مسرح
وشكت، فكان لها برملك إثمدُ

أشرقت بي نوراً، وغرسي ناعم
وزهوت بي ثمراً، وعوديَ أغيدُ

ووقيتني غرر الشباب فما التوت
قدم، ولا امتدّت لناقصة يدُ

وعبرت بي نهر الكهولة، لم يضق
ذرعاً بصاريتي الشراع المجهدُ

حتى إذا (الستّون) أثقل جذعها
ثلج الشتاء، وباخ ذاك الموقدُ

الفيتُني وملاب رملك في مدى
عينيّ من زهر الكواكب أبعدُ

ووجدتي أنأى، وأحمل في دمي
من ذكرياتك ما به أتجلّدُ

أعزز عليّ بأن أراكِ فريسة
لنيوب وحش لم يزل يترصدُ

يعميه أنّك للعراق منارة
ولشعبه عند الشدائد منجدُ

وبأنّ حمراء القباب تزينها
لهم، دماء سراتها، لا العسجدُ

فطغى ليغسل فيك عار هزيمة
ألقاه فيهامَن بهم يتمرّدُ

كذب الغرور، فلن يهدّ (عقيدة)
سيف لدى (أم المعارك) مَغمدُ





انّ الدارس لتراث السيّد جمال الدين الشعري يمكن أن ينظر إليه من زوايا متعددة، سوف نختار منها ما هو مفصلي وجوهري مما يمكن أن يلقي الأضواء على تجربته الشعرية بوجه عام.



1 ـ بين الفن والعلم:

الفن في جواهره إحدى وسائل التعبير الراقية عن مشاعر الإنسان وتصوراته وعن طبيعة العلاقات التي تربط بين الأشياء في هذا العالم. ولذا كانت الرؤية الفنية متميزة، أو مختلفة، عن الرؤية العلمية والفلسفية. الأولى تستند إلى الشعور والعاطفة وما يترتب عليهما من تأثير جمالي. بينما تستند الثانية إلى التحليل العقلي والأدلة والبراهين المنطقية.

وأحسب انّ الشاعر مصطفى جمال الدين تتنازعه هاتان الشخصيتان:




الصفحة 6





شخصية الفنان الحالم الّذي يحيا عالمه الفني بحرية وطلاقة بما فيه من شفافية تتجاوز الواقع أو تعبّر عنه بلغة خاصة، وشخصية العالم الّذي يزن الأمور بميزان العقل والمنطق، ويخضع الواقع لمنظمومة كاملة من القوانين العلمية والعقيلة الصارمة.



وليست المشكلة في أن تعبر شاعرنا عن الشخصية الفنية في الشعر، والشخصية العلمية في الأبحاث والمؤلفات، وقد فعل، ولكن المشكلة فيما إذا اجتمعت الشخصيتان معاً في أعماله الفنية، والمشكلة ايضاً في عدم تمييز الناس بينهما، وذلك حينما ينظرون إلى الشاعر بعين العالم فيقعون في أحكام متسرعة وملتبسة.

نستطيع أن نتبيّن شخصية الفنان الخالصة في القصائد التي عبّر فيها الشاعر عن تجاربه العاطفية وهمومه الذاتية. من ذلك مثلاً قصيدة "اللحن القديم"، يقول:


قربّي روحك الرقيقة مني
ودعيني أنسى مصارع فني

أنا ياحلوتي شجيّ من الأنغام
هيمان لم يمتّع بأذن

عزفته (قيثارة) لم تمازجه
هديراً، فعاد أسوأ لحن

وتناهى إليك من بعد (عشرين)
خلياً مما يروق المغني

فأعيدي توزيعه واسكبي رو
حك فيه ثم اعزفيه وغني

تجدي ميت المواويل يصحو
بين عينيك ياضحاي وعيني

فترفّ المنى على يأس قلبي
ويضجّ السنى على ليل جفني






أو قوله في "خيوط النجوم":


طرزيها بسحر عينيك ياليلى
بما تطويان من أسرار

بابتساماتك التي علمتني
كيف تخضلّ بالربيع الصحاري

بدموع أطلقتها وأنا أسمع
وقع النجوم في أفكاري

ثم لملمتها لأجل منها
في ظلام الحياة نوري وناري





في هاتين القصدتين وفي أخر غيرها تحس روح الفنان وهي تنطلق عبر عالم حر واسع مغلّف بأسرار الجمال...إنّه العالم الفني الّذي يختلف ـ قليلاً أو كثيراً ـ عن العالم الواقعي المحسوس، وإن كانت مادته مستمدة من هذا العالم







يتبع....



عدل سابقا من قبل أكرم النجفي في 14/7/2009, 11:15 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://najafi.yoo7.com
أكرم النجفي
المديـــــــر العــــــــام
المديـــــــر  العــــــــام
أكرم النجفي


ذكر
عدد المساهمات : 4492
نقاط : 24627
السٌّمعَة : 31
تاريخ التسجيل : 26/07/2008

مصطفى جمال الدين-شاعر نجفي كبير Empty
مُساهمةموضوع: رد: مصطفى جمال الدين-شاعر نجفي كبير   مصطفى جمال الدين-شاعر نجفي كبير Empty12/7/2009, 3:12 am

الصفحة 7


الواقعي.



وكان يمكن لهذا الجانب الفني أن يتخذ أبعاداً أوسع في التعبير، وقدرة أكبر على التصوير لولا ضغط الجانب العلمي وحساباته وموازينه، ولولا ضغط المجتمع وأعرافه وتقاليده، الأمر الّذي أدى بالشاعر إلى أن يحجب بعض قصائده عن النشر انتظاراً لظروف أقل تعقيداً وأكثر انفتاحاً، على حد تعبيره(1)!



2 ـ التجديد والتقليد:

لقد شغلت هاتان القضيتان الشعر العربي ـ بل الانساني ـ منذ عصوره الأولى وحتى اليوم، فلم يخل عصر من عصور الشعر من وجود مقلدين ومجددين، مع اختلاف هذين المفهومين طبقاً لكل مرحلة تاريخية. وليس من الصعب تلمس آثار التجديد في شعر بشار وأبي تمام وأبي نؤاس، وقل مثل ذلك بالنسبة للشعر الأندلسي بوجه عام وشعر الموشح بوجه خاص. أما في العصر الحديث فكان التجديد في الشعر العربي شكلاً ومضموناً، وجعله مواكباً للحياة العصرية في صلب اهتمامات الشعراء والنقاد منذ القرن الماضي وحتى اليوم. معنى ذلك أن التجديد ليس وقفاً على جيل معين وحقبة معينة، كما يردد ذلك بعض الكتاب الّذين يحصرون التجديد في الشعر العربي بحركة الشعر الحر وما تفرّع عنها أو ترتب عليه، منذ أن ظهرت في أواخر الأربعينيات وحتى يومنا هذا.

ويبدو أن هذه القضية قد شغلت الشاعر جمال الدين وكانت مثار اهتمامه شعراً ونثراً. فقد بيّن رأيه فيها كتابه الهام "الايقاع في الشعر العربي من البيت إلى التفعيلة" وفي مقدمة ديوانه الجديد، كما عالجها كموضوع شعري في العديد من قصائده، وبخاصة قصيدة "إلى الطليعة الشاعرة" التي وجه فيها نقداً للطرفين الرئيسين المتصارعين في الساحة الأدبية: أنصار الشعر العمودي وأنصار الشعر الحر. ففي رأيه انّ بعض شعراء القصيدة الكلاسيكية ليس لهم من البضاعة الفينة إلاّ انّ الوزن في أشعارهم محسوب بدقة، فينتهي الشعر عندهم إلى رصف الكلمات وصف القوالب!...يقول:



فاكتفوامن رهافة الحس انّ الـ

ـوزن في شعرهم دقيق الحساب





____________

1- انظر مقدمة "الديوان" بقلم السيّد مصطفى جمال الدين، ص: 97.



الصفحة 8




وأراحوا قلوبهم من معانا

ة حروف كثيرة الأتعاب

فانتهوا لا نهارهم بارد الجمر

ولا ليلهم لذيذ العذاب



أما كتاب شعر التفعيلة فيقول عنهم:



ورعيل لم يبلغوا سرحة الفن

فهاموا من حولها في ضباب

ثم راحوا يبرّرون ضلال القصد

أن الخيول غير عراب

فالقوا في لجم تحدّ من الشوط

وهذي الأوزان غرثى كوابي

وحملنا أنا سنبني وإياهم

قصوراً مجنحات القباب

يسجد الغيم في مقاصيرها البيـ

ـض ويعنو لها شموخ الهضاب

فإذا بالتي وصلنا إليها

هي تلك البيوت بعد خراب

وإذا السرحة التي ظلّلتنا

فيأها كومة من الأحطاب

ترتمي حولها المناقير لا تعـ

ـعرف منقار بلبل من غراب



وهكذا فانّ قضية التجديد والحداثة ليست هي قضية شعر عمودي أو حر متحرر من الوزن والقافية، بل هي ـ في رأيه ـ مسألة النضوج الفني أو عدمه. فمدّعو التجديد يفتقرون إلى النضج الفني الّذي يؤهلهم للدخول إلى ساحة الفن فصاروا يحومون حولها بشكل ضبابي، وأطلقوا الأعذار والتبريرات، ووجهوا الاتهامات للشعر العربي ونظامه الموسيقي بانّه يشكل قيداً على الشعر والشعراء لابدّ من كسره والتحرر منه، فكانت النتيجة أن وصل الشعر العربي إلى حالة من الفوضى التي ضاعت فيها المقاييس وكثر فيها الشداة والمتشاعرون، حتى صرنا لا نميّز بين البلبل الشادي والغراب الناعب!

ورغم انّ شاعرنا قد تبنّى القصيدة العمودية بشكل كامل، ولم يكتب غيرها طيلة حياته. فانّه يرى انّ الصراع حول شكل القصيدة بين المدارس المختلفة أمر لا طائل من ورائه. فليكتب الشعراء بالشكل الذي يريدون ولكن شرط أن يكون ذلك الشكل مبنياً على أساس، وأن يكون المضمون مستساغاً وليس شراباً مراً، يقول:



فاملأوا الكأس كيف شئتم ولكن

حاذروا أن يكون مرّ الشراب

واكتبوا الشعر مترف الروح والجسـ

ـم وخلّوا جدالنا في الثياب




الصفحة 9




ويعود إلى هذا المعنى في قصيدة اخرى فيقول:




يولد الشعر كيف شاء وتبقى الـ
ـخمر خمراً مهما استجد الأناء



أي انّ الشعر بما يضم من قيم فنية وجمالية وفكرية، هو الذي يفرض نفسه في النهاية، بغض النظر عن طبيعة الوعاء الّذي يحتويه. انّ بحث نواحي التجديد في شعر الدكتور جمال الدين يقتضي أيضاً بحث مظاهر التقليد عنده، فهل كان شاعرنا مقلداً؟

لا شك انّ شكل القصيدة عنده كان تقليدياً أو (كلاسيكياً) يلتزم الشكل العمودي للقصيدة العربية، لكنه جهد في أن يعطي لذلك الشكل نفحة معاصرة من خلال ما يضفيه عليه المضمون من صور فنية فيها جدّة وابتكار، ولما كان شاعرنا متمكناً من أدواته الفنية: اللغوية، والموسيقية والبلاغية وغيرها، فلا تحس وأنت تقرأ شعره أن القافية تشكل قيداً عليه أو عائقاً لأن يعبّر عن الفكرة التي يريدها أو الصورة التي يبتغيها، بل العكس كان العروض التقليدي عنده مصدر ثراء يغني موسيقى الشعر، إذ لا يمكن للشعر أن يكون شعراً بدون موسيقى.

وبخلاف الشكل فانّ الشاعر يمتلك مخزوناً كبيراً من التراث الأدبي نشأ عليه، ولابد أن يؤثر في تجربته الشعرية ووعيه الباطن. فيظهر حينئذ في نواحي معينة من شعره. مثال ذلك وجود بعض الصور الفنية في شعره قال بها شعراء قدامى أو محدثون. فصورة الزمن الّذي شاب لطول بقائه قال بها أبو تمام ـ وربما غيره ـ من قبل. يقول في "بائيته" الشهيرة:



من عهد (اسكندر) أو قبل ذلك قد

شابت نواصي الليالي وهي لم تشب



ثم يأتي الشاعر المصري محمود حسن اسماعيل ليقول في "النهر الخالد" مستعيراً الصورة نفسها:



شابت على أرضه الليالي

وضيّعت عمرها الجبال



ويجيء السيّد جمال الدين ليقول في رثاء الشبيبي:


يا سنيناً شاب الزمان بها رو
حاً وما شاب عزمنا والوثوب



ويكرّر الصورة نفسها في "شهيد الفداء" قائلاً:


وجبالاً شابت عليها الليالي
وهو في جذع كرمها مشدود







الصفحة 10




على انّ مثل هذه الأمور قد لا تحصل عند الشعر بشكل مقصود وانّما بشكل تلقائي وعفوي، وهي أقرب إلى ما يُسمى في الشعر بـ "توارد الخواطر". أضف إلى ذلك موضع تلك الصورة من النسيج العام للقصيدة، وهو مختلف عند شاعرنا عن غيره من الشعراء.





3 ـ شعرُ المناسبة:

ارتبط الشعر العربي بالمناسبات منذ أمد بعيد، وطالما كانت المناسبة مأخذاً على هذا الشعر أو عيباً يحسب عليه. لكن من الشعراء من قيم المناسبة تقييماً إيجابياً مثل الشاعر بشارة الخوري (الأخطل الصغير) الّذي يرد على مَن اتهم جيله بأنهم شعراء المناسبات، بسبب مشاركتهم في مناسبات وطنية واجتماعية...يرد عليهم قائلاً: "إنّ المناسبة في ايامه كانت دار النشر الوحيدة، وكانت فرصة للشاعر كي يتحدث عن أمور شتى ذاتية وعامة"(1).

لقد أخذت المناسبات حيزاً كبيراً من (ديوان) السيّد جمال الدين الّذي يرى هو الآخر "انّ العيب ليس في أن تكون للشعر مناسباته، وهل يتصور أن يقال شعر من دون مناسبة، خاصة أو عامة؟ وإنّما العيب في (المناسبة) نفسها، وفي استغلال الشاعر لها، أو توظيفها لأهدافه"(2).

وإذا كانت المناسبات ولا زالت في كثير من الأحيان وسيلة للتكسب والارتزاق، أو لاحداث التهييج السياسي أو التأثير الخطابي، فانّ شاعرنا قد ارتقى بالمناسبة إلى منزلة سامية جداً عبر عن عواطفه وأشجانه، واستخلص منها قيماً نبيلة أو عبراً سياسية أو اجتماعية معينة، وصاغ كل ذلك في اطار فني رمزي يمنعها من أن تهبط إلى لغة الخطاب المباشر. انظر إلى قصيدته الرائعة "شاعر المعاني" التي ألقاها في الحفل التأبيني الّذي أقيم للشاعر الكبير المرحوم أحمد الصافي النجفي، يقول:



كيف يرقى إلى رثاه البيان

وعلى شعره يعيش الزمانُ

لم يمت شاعر المعاني، ولكن

هوّمت في ضلوعه الألحانُ





____________

1- عبد اللّه الأخطل: ذكرى الأخطل الصغير، مجلة العربي، عدد تموز (يوليو) 1994م.

2- مقدمة الديوان، ص: 70.




الصفحة 11




نسي القلب خفقه فسرى في

كل بيت من نبضه خفقانُ

وجرى في عروق أحرفه السمر

دم أخضر الرؤى فينانُ

يتهادى بين الشطور، فللحب

غراس وللنهى أفنانُ

ولمرضى القلوب طبّ، ولليأ

س رجاء ولليتيم حنانُ

ولكوخ الفلاح يضرى به الجد

ب مروج خضر وبَهمٌ حسانُ

أريحي يذوب في حدق الأعمى

فينسيه انّه أسيانُ

ويغني الأصم لحناً من الشجـ

ـو فيصحو، وكله آذانُ

وإذا اظلَمَّت الشكوك على سا

ر تجلّى بليلها الإيمانُ

إنّما الشعر والنبوّات اخلا

ف من الغيب درّها صنوانُ




إنّ الّذين علقت في أذهانهم الصورة السلبية لشعر المناسبات لابدّ انهم سيتوقفون طويلاً أمام هذه القصيدة وازدحامها بالصور الجميلة المعبرة عن شعر الصافي النجفي بأعلى درجات البراعة الفنية والجمالية.

وإذا كان لنا من كلمة أخيرة فانّنا نقول: انّ الّذين توهموا انّ الشعر العربي الأصيل قد انتهى أو توقف عند جيل الشعراء الكبار أمثال الجواهري وبدوي الجبل وعمر أبو ريشة وغيرهم، فانّ عليهم ـ بعد قراءة شعر الجيل التالي ومنهم مصطفى جمال الدين ـ أن يعيدوا حساباتهم، لأنّ هذا الشعر قادر على مزيد من العطاء ويمتلك حضوراً مؤثراً لا على النخبة المثقفة فقط، بل على متذوقي الشعر والأدب بوجه عام. ورغم انّ أجهزة الاعلام تعزف على نغمة واحدة هي (الحداثة)، وتروج لشعر معين متحرر من كل شرط من شروط الفن، فانّ هذا الشعر بقي أسيراً لنفر معين لا يسمع إلاّ نفسه، ويعجز عن ايصال صوته للآخرين.


تأليف
الدكتور ابراهيم العاتي
باحث وشاعر عراقي ـ لندن




إعداد
مكتبة الروضة الحيدرية
النجف الأشرف
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://najafi.yoo7.com
 
مصطفى جمال الدين-شاعر نجفي كبير
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات النجفي :: القسم الأدبي :: منتدى الشعر العربي الفصيح-
انتقل الى: