مشروع توسعة الحرم المطهر
تعاقبت عمارات عدة على مرقد أمير المؤمنين(ع)، فكانت العمارة الاولى بناء القبة على القبر الشريف وهي عبارة عن بناء مربع جدرانه من الآجر الأبيض حتى العمارة السابعة وهي العمارة الحالية التي أنشئت عام 1047هـ، لقد أجريت على هذه العمارة إصلاحات كثيرة كان من أهمها تذهيب القبة والمئذنتين وإيوان الدخول الرئيسي، ومنذ ذلك الوقت لم يطرأ أي تغيير على هذه العمارة أي ما يزيد على أربعة قرون فكان مشروع توسعة الحرم العلوي الشريف واحداً من أهم المشاريع الكبيرة التي تنفذ بكوادر هندسية وفنية ذات كفاءة عالية.
واليوم نقف على أعتاب مرحلة جديدة من تاريخ العراق والمراقد المقدسة حيث تتزايد أعداد الزائرين بعد حرمان دام عشرات السنين مما يضع متولي الحرم وإدارته أمام مسؤولية كبيرة في توفير المكان الكافي والمناسب للزائرين الكرام لأداء مراسم الدعاء والزيارة براحة ويسر، فكان الهاجس الاول هو كيفية توسيع الحرم والعتبة لتسع هذه الاعداد المتزايدة، ولأهمية وجود الزائر أمام الضريح المقدس ليجدد ولاءه ويتصل روحياً به، وبتوجيه المشرف العام على العتبة حينها سماحة السيد محمد رضا محي الدين الغريفي(دام عزه) كانت البداية من الجهة الغربية للحرم حيث السوباط وجامع الرأس ومضيف الإمام علي(ع) التي بُنيت بمرحلة متقدمة بعد عمارة الحرم كما اتضح من خلال الدراسة المستفيضة للمشروع أولاً ومتابعة إزالة ابنية ذلك المكان ثانياً إن هذا الجزء يشمل جهة الرأس الشريف للضريح المقدس حيث المكان الأنسب للدعاء والزيارة، بينما كان مجمعاً للمواد التالفة ومخلفات الطيور دون أن يستعمل المكان لأي خدمة، فتطورت دراسة توسعة الحرم بهذا الاتجاه من مجرد فتح الأبواب والشبابيك بين الرواق والسوباط والمقابر وجامع الرأس ليكون التصميم النهائي هو إزالة الأبنية كافة وذلك لعدم ارتباطها بالحرم إنشائياً أولاً وعدم كونها تاريخية ثانيا حيث أعيد بناءها في ثمانينات القرن الماضي والثالث إضافة قدسية للمكان الذي تحكي بعض الروايات عن دفن الرأس الشريف للإمام الحسين(ع) فيه، كما ورد في التقرير المقدم من الاستاذ الدكتور حسن الحكيم ضمن أولويات المشروع، وأخيراً وهو الأهم توفير المكان اللائق لأداء الزيارة والدعاء قرب الضريح المقدس لسيد الاوصياء(ع)، وبعد إعلام المراجع العظام من قبل سماحة السيد محمد رضا محي الدين الغريفي (دام توفيقه)، بدأت المباشرة بأعمال إزالة الأبنية بتاريخ 11/ ربيع الاول/ 1426هـ الموافق 20/ 4/ 2005م، وكانت بركات الإمام (ع) جلية من خلال تسهيل العمل وسرعة إنجازه بإمكانات متواضعة. وتواصل العمل ليل نهار لإكمال إزالة الأبنية جميعاً بتاريخ21/ ربيع الاول/ 1427هـ الموافق 20/ 4/ 2006م.
وبينما كان العمل يجري لإزالة الابنية كانت الجهة الاستشارية للمشروع (لجنة متطوعة ضمت جمع من أساتذة كلية الهندسة في جامعة الكوفة بكافة الاختصاصات الهندسية كافة وجهد متميز من الدكتور المهندس علي ناجي عطية) تواصل العمل هي الاخرى لاعداد التصاميم النهائية للمشروع بالتعاون مع الدكتور المهندس المعماري ساهر القيسي(استاذ العمارة الاسلامية في جامعة النهرين)، والتنفيذ المباشر من ميزانية العتبة وبإشراف المهندس مظفر خليل محبوبه رئيس قسم الشؤون الهندسية والفنية في العتبة، فيما طلب في وقت لاحق جمع من المؤمنين ومن خلال المرجعية الدينية تبني تكاليف المشروع من بداية حتى دخول المشروع في خدمة الزائرين.
لقد كان الحرص كبيراً أن يحاكي تصميم المشروع التصاميم المعمارية للحرم التي تعتبر تحفة معمارية وفنية مع ما تحتويه من اسرار فلكية عديدة، مع احتفاظ المصمم بحقه باضفاء بصمته عليها، وكان التصميم الذي أنجز في بعض جوانبه يتشكل من اربعة عشرة قبة(تشير إلى عدد المعصومين عليهم السلام) وكل قبة تتألف من أربعة مقاطع يفصل بين جزء وآخر شباك عمودي، فيما بقيت المحافظة على شكل وروحية فتحة السوباط القديمة مع تعليم مساره، وقد اجرى المهندس وميض ضياء الدين الغريفي(أحد منتسبي العتبة العلوية المقدسة في وقتها) دراسة مستفيضة لثبيت زواية شبابيك القباب الأربع عشرة ليكون أحدها مقابل الشمس وقت الزوال ليشير دخول الشمس من خلاله إلى وقت الزوال ثم يحتجب ضوؤها عنه بعد انتهاء وقت الفريضة، كما قام بدراسة تثبيت شباك آخر منها ليقابل الشمس عند الغروب، ذلك ليكون المشروع مكملا لعمارة الحرم القديمة، وقد نفذت هذه الدراسة وحصل النجاح في تنفيذها على أرض الواقع. ويرتفع السقف على اربعة وعشرين عمودا رباعيا (يتكون من اربعة انابيب حديدية باقطار مختلفة لتحقيق اكبر مدى رؤية ممكنة من خلالها) مغلفاً بالمرمر الأونكس الأخضر، الذي يتداخل مع مرمر الأرضية والجدران.
لقد حرصت إدارة العتبة العلوية المقدسة عند تنفيذ هذا المشروع على ضرورة الحفاظ على المعالم التاريخية التي كانت موجودة أو التي أزيلت خلال السنوات السابقة حيث تم التأكيد على موقع محراب جامع الرأس وصخرته الاثرية لتعاد ضمن المشروع وبموقعها نفسه، كما جرى البحث والتحقيق عن اعادة مقام الامام الصادق(ع) الذي كان يقع يمين الخارج من باب الفرج والذي ازيل أثره وقد أصبح ضمن موقع المشروع اذ سيتم اظهاره والدلالة عليه. ويرتبط المشروع بالرواق القديم من خلال الابواب الخمسة الموجودة حاليا بينه ورواق النساء بأقواسها القديمة ليضيف ما يزيد على ضعف مساحة الرواق الحالي 1200 متر مربع لاستيعاب آلاف الزائرين.
وبعد انجاز التحضيرات اللازمة كافة لصب الاسس حدثت المباشرة بتوجيه ومتابعة من قبل الامين العام للعتبة المهندس السيد مهدي عبد الحسين الحسيني(الذي كان استشاري المشروع منذ نشوء فكرة القيام به) بإنجاز أسس المشروع بتاريخ 28/ 5/ 2006م فيما جرى نصب الاعمدة في 21/ 12/ 2006م وقد انجز السقف الكونكريتي المسلح للمشروع بتاريخ 27/ 5/ 2007م ليتم بذلك اكمال الهيكل الإنشائي له، وتواصل العمل بعد ذلك وبشكل طردي وجهود متميزة إلى أن وصل اليوم إلى خطوات متقدمة في الإنجاز وليتم المباشرة باعمال الإنهاءات والمتضمنة لأعمال التزجيج بالمرايا ومرمر الأونكس الأخضر.
ومن المؤمل أن تشهد الفترة القادمة إنجاز المشروع وإفتتاحه للزائرين الكرام، ليكون أول عمارة وتوسعة تضاف للحرم الطاهر لسيد الاوصياء ومنذ قرون عدة مضت لتنقضي حقبة مظلمة من تاريخ مرقد امير المؤمنين (ع) ومراقد أئمتنا الاطهار(ع) وانطلاقة جديدة لمدننا المقدسة لتتبوء مكانها الطبيعي في العالم الاسلامي بما تملكه من قوة اقتصادية من خلال سياحتها الدينية وآثارها الاسلامية بخاصة والإنسانية على وجه العموم.