مازلت أزقة مدينة النجف القديمة تضم مهنا وإعمالا أصبح الكثير منها جزءا من التراث الاجتماعي رغم عدم انقراضها بشكل تام ومن هذه المهن مهنة خياطة وتصليح أواني الفر فوري والأواني الأخرى المصنوعة من الستيل وغيرها .حيث لم يبقى من المحال المنتشرة في المدينة سوى محلا واحدا في حارت العمارة .
حميد ألنجفي 73 سنة صاحب المحل الوحيد المتبقي في المدينة والذي يقوم بخياطة وتصليح أواني الفر فوري " قوري الشاي " بقى صامدا إمام الحداثة التي غزت النجف بعد سقوط النظام السابق ألنجفي كان جالسا إمام محله الصغير على كرسي خشبي يتابع عمل ولده الذي ورث الحرفة من والده الذي يقول ان " خياطة قوري الشاي الفرفوري والأواني الأخرى نشأت في النجف مع دخول الشاي الى العراق وكانت توجد عدة محال تتوزع في الحارات الأربع لمدينة النجف القديمة ودائما تجاور المقاهي "
وأضاف لـ "المواطن" إن " الأوضاع المادية الصعبة التي مر بها البلاد في السنوات الماضية كانت تتطلب على المواطن الحفاظ على أوان المنزل لأطول فترة من الزمن فمنهم من يقوم بخياطة قوري الشاي ومنهم يلحم بريق الماء المصنوع من الصفر وغيرها من الأواني "
وأوضح ألنجفي إن " هناك الكثير من منازل النجف تحتفظ بأواني مرسوم عليها ملوك ورؤساء العراق السابقين "
مضيفا إن " في احد الأيام وبالتحديد في تسعينيات القرن الماضي جاءت لي امرأة من إحدى ازقات النجف وبان على وجهها الخوف والذعر وكانت تتكلم بصوت خافت وقالت لي أريد ان تخيط هذا القوري بدون لا تعلم احد من الناس وعندما شاهدته تبين ان صورة الرئيس عبد الكريم قاسم بلباسه العسكري مرسومة على القوري "
وتابع ألنجفي " ما كان عليه سوى اخذ قوري الشاي الى المنزل وخياطة بدقة كونه مقسوم الى أربعة أقسام بعد سقوطه من إحدى رفوف سرداب المنزل ولا اخفي عليكم كانت عملية خياطة القوري كانت مجازفة بحياتي لان رجال امن الرئيس السابق صدام حسين موجودين في كل أزقة المدينة واذا علموا بالموضوع سوف اعدم"
اما صفاء حميد الذي ورث المهنة من والده كان يبحث بين ركام السكراب في محله القديم قال ان " مدينة النجف القديمة كان فيها أكثر من خمسين خياطا للفرفوري جميعهم هجروا المهنة لعدم جدواها وقلة زبائنها "
مشيرا الى ان " خياطة القوري كانت تتم بخلط مادة لاصقة إضافة إلى بياض البيض ويتم خلطها ومن ثم نقوم بعملية الخياطة اما الان فتغير الحال وأصبحت عشرات المواد ألاصقة متوفرة في الأسواق وهذا ما ساعدنا كثيرا "
وأضاف لـ "المواطن" ان " مهنة خياطة قوري الشاي الفرفوري أصبحت لا تسد حاجتنا من متطلبات الحياة اليومية لكن رغم كل هذه الأوضاع سوف أبقى في مهنتي "
مؤكد ان " ارتفاع المستوى المعاشي جعل اغلب العوائل تقوم بشراء أواني جديدة من الفرفوري بأسعاره المناسبة من السوق بدل خياطتها كما كانت في السابق "
من جانبهم باعة الشاي وهم كثر في مدينة النجف القديمة مازالوا يلجؤون الى الخياطة نظرا لكثرة استخدامها للقوري المصنوع من الفرفوري يقول الحاج موسى ألمشهدي وهو من اشهر صانعي الشاي في المدينة ان " القوري الفرفوري يتميز عن باقي القواري باحتفاظه بالحرارة إضافة إلى عدم تأثره بصدئ "
واضاف لـ "المواطن" ان " صناعة الفرفوري القديم أفضل من الصناعة الحديثة التي تسبب لنا مشاكل في كثرة خياطته قد تصل الى 7 مرات حتى نحيله الى التقاعد "
وفي إحدى زوايا محل ألمشهدي يوجد قوري قديم مرسوم عليه بعض الورود وقال ان " هذا القوري هو أول قوري عملت به منذ عشرات السنين وأنا متفائل به بجلب الرزق "
الى ذلك قال المواطنون ان " شاي القوري الفرفوري له طعم خاص عندنا ودائما نحرص على تناول الشاي يوميا في المقاهي التي تقوم بصناعة الشاي بهذا القوري "